samedi 25 octobre 2008

الصحابي أبي زمعة البلوي

الصحابي أبي زمعة البلوي
تأطير تاريخي
القيروان مدينة المعالم والأعلام.. لا تكاد تفرغ من مشاهدة معلم أم مقام حتّى يجذبك آخر..
وهذا مقام الصحابي أبي زمعة عبيد بن أرقم البلوي من أصحاب الشجرة . توفي سنة 34ه/654م خلال الفتوحات الإسلامية لافريقية في غزوة معاوية بن حديج وذلك إثر معركة ضد الجيوش البيزنطية قرب جلولاء (20 ميلا غرب القيروان) وقد دفن جثمانه في موضع القيروان قبل تبنى .
ومقامه من أهم المزارات الدينية بالبلاد التونسية و يرجع تاريخ بنائه إلى عهد حمودة باشا المرادي سنة 1072ه/1663م.
و المكان هو في الوقت نفسه مزار و جامع و مدرسة.

الصحن الأوّل
يلتقيك المقام بصحن شاسع تحوطه أروقة بيضاء بياض الجير المندى متناغمة الهندسة تظلل الزوار
وتمنحهم الراحة و السكينة.
ترتفع مئذنة مسجد المقام الحجرية الأنيقة ذات الطراز الأندلسي المورسكي المحلاة بالجليز الذي يميز العالم كله منتصبة في زاوية بين المقام والمدرسة.. تطلّ بفرادتها واختلافها عن باقي صوامع المدينة على الصحن منبسطا أمامها.

المدرسة والمسجد
وأنت تدخل المدرسة و المسجد يستقبلك قوس رخامي بديع تحلي جبهته مجموعة مختارة من الجليز الملون في تزاوج واضح بين العمارة البيزنطية والأندلسية والعثمانية.
هذه الغرف المحيط بصحن المدرسة بنيت للطلبة القاطنين بالزاوية الصحابية يتوسطها مسجد لم تبخل عليه يد المعماري فزيّن بالجبس المزركش والجليز المطبوخ في أفران الوطن القبلي و المرسوم بألوان الطبيعة الخلابة ورفعت سقوفه على رشيق الأعمدة ومتناسق الأقواس.

القبّة المبرّجة
هذه القبة الضخمة المبرّجة كأنها تنظر إلى الدالف من الرواق المؤدي إلى سقيفتها فصحن الضريح يأخذه الأبيض الناصع في رحلة اندهاش من روعة المكان ويدعوه إلى الدخول عبر صفيّ الأعمدة والخزف المزين والنوافذ القابعة بين ألواح الرخام المحفور في حوار بين الظلّ والضوء.
داخل القبة المبرّجة
تحتفي القبة بمأطورات الجبس المنقوش داخلها و داخل صدفاتها الأربع ، إنه المسمى "نقْشْ حْديدةْ" الذي أبدعت فيه يد النقاش القيرواني يحاكي بضرباته حركات الطبيعة و سكناتها ينثر الأشكال في ألواح متنوعة تعبر بوضوح عن تشبع النّاحت بالمنهج الرياضي تدقيقا واضحا وتقسيما متساويا للمساحات المنحوتة رغم تكرارها الكثيف في براعة لا تقدر عليها إلا آلة من الزمن الحديث .
في تأملنا لهذه النقوش يقابلنا الخيال الغزير لهؤلاء الفنانين الذين مزجوا الأشكال بتربيعات وتدويرات فخرجوا علينا بمستحدثات تضيف لمدونة الحفر نماذج مبتكرة.
يرتفع البصر إلى أعلى القبة الشامخة فإذا بين الرقوش والتضاريس الجميلة قطع صغيرة من البلور كالنجوم تهدي الناظر إلى سحرها الأخاذ.
جدْران السقيفة مغطاة بالكامل بلوحات الجليز في احتفاء متجدد باللون و الشكل المتفرد.
هذا الباب الذي قدّ من خشب الأبنوس الرفيع والحديد المطرق يقف شاهدا على روعة المكان ومثالا حيا على النجارة القيروانية التي تزاوج بين الخشب و الحديد.

باب السقيفة الأولى
باب السقيفة الأولى المعمر بالرخام و الأعمدة تزين أعلاه وجانبيه صفوف الجليز المحاكي للون النبات الأخضر الغضّ والزهور في لوحات تحكي تاريخ هذا الفن النبيل متمثّلة الثقافة اللونيّة الإسلاميّة في تفرّدها.

قبة الضريح وساحته
قبة الضريح المتربعة فوق حزام من اللوحات الجليزية الفاخرة كأنها عمامة تعمم بها نفسها فتزيدها هيبة ووقارا وهي مؤطرة بمكررات من جليز يطلق عليه "عفسة الصيد" أي أثر الأسد ومكررات أخرى من الأشكال المستوحاة من النبات.
كذلك نرى مؤطرات أخرى من أحزمة الجليز الأسود لإبراز الرسوم والألوان.
يحتاج المشاهد إلى الذهاب أبعد مما يعاينه في مربعات الجليز من رياحين متآلفة وسلال فواكه، ترقص الأطياف فوق ألوان مزهرياتها من أثر البريق المعدني على الخزف المزخرف بإختلاف أصنافه نرى من خلال سطوح الباب العالي و مآذن استامبول تجلل الرايات قبابها ناهيك و أن تونس وقتها إيالة تنتمي إلى سلطنة آل عثمان و هي الآستانة آنذاك سنة خمس وستين وستمائة و ألف 1665.
نعم إنّ المقام صرح معماريّ متميز لكنه إلى ذلك إنشاء تشكيليّ ولونيّ فريد يشدّ مخيّلة الزائر إلى بعض ما يعرف من نصوص عن الفردوس الموعود.

أروقة صحن الضريح المستندة على أقواس مزخرفة من حجارة الكذّال ترفعها أعمدة أغلبها عثماني يميزها الهلال المنقوش في أعلى تيجانها.
هذا المعلم و إن كان ذا طابع روحي و قداسي لأهل القيروان و لزواره المسلمين فإنه كذلك قبلة للسياح
والباحثين في فن العمارة الإسلامي الأصيل.
إنّه متحف نابض بعد بالمنجز الجمالي متعدّد الروافد والأبعاد.
مربّعات أخرى من رقوش الجبس المنجزة بذوق رفيع يتكرّر فيها آيات الفنّ البديع بين ألواح الجليز المزيّن وسقف الأروقة المصنوع من خشب الأرز المنقوش والمطلي بأصباغ مستخرجة من الحناء و قشور الرمان و الزعفران بشكل بمربعاته المتدرجة ذات الطراز الأندلسي المورسكي تعبيرا سخيّا عن شغف المعماريين القدامى بالزخرف والألوان

بيت الضريح
إن قبة الضريح مثال واضح على الإبداع في فن التزويق وتوليد الألوان تفنن النقاشون في إخراج نماذج تتمازج ألوانها و أشكالها مع الجليز المنضّد بالمكان والمشوب بحمرة متدٍرجة في حوار طريف مع نماذج من الخطّ العربي الإسلاميّ.
بيت الضريح لا يكاد يبعد جداراه المسامتان للقبر بأكثر ما يكفي الزائر من مجال لأداء تحية المسجد.
يزين الضريح كسوة يتأنق أهل القيروان في صنعها مع حشود من الزرابي المفروشة و المعلقة و صفوف من أطر الآيات و الأحاديث و الأشعار.
و أغلب ما هناك هدايا أهداها السكان لساكن المقام و زرابي صنعتها أنامل النساء.
و أعرق و أشهر ما تلقاه المقام من زرابي كان من عمل الفتاة كاملة إبنة الحاكم العسكري التركي بالمدينة الأمير محمد السادس سنة خمس و ستون و ثمانمائة وألف وهو الذي استقدم السياج الحديدي المحيط بالقبر من القسطنطنية وتخليدا لفصله يرقد قبره وقبر كاملة بصحن المقام.

الزربية
شكلت القيروان قطبا لصناعة الزربية و شكلت نقوش المقام و زخرفته مرجعا تستلهم منه النساء بعض أشكال و ألوان فكان من الطبيعي أن تهدي الفتاة القيروانية زربيتها البكر إلى المقام.



الختان
من الطقوس اليومية التي يستقبلها الضريح طقس الختان..مفتاح الدخول لعالم الرجال منذ إبراهيم الخليل إلى الآن.

1 commentaire:

أم الأوراق a dit…

أبدعت أيدي النقاشين والنحاتين في ابراز تميّز هذا الصرح المعماري
وأبدع قلمك في وصف مقام الصحابي أبي زمعة البلوي
فياليت قلمك يأخذنا إلى معالم أخرى رائعة بالقيروان