samedi 27 octobre 2007


القيروان مجد شامخ وإرث عريق


تعتبر القيروان من أقدم وأهم المدن الإسلامية، بل هى المدينة الإسلامية الأولى في منطقة المغرب ويعتبر إنشاء مدينة القيروان بداية تاريخ الحضارة العربية الإسلامية في المغرب العربي، فلقد كانت مدينة القيروان تلعب دورين هامين في آن واحد، هما: الجهاد والدعوة، فبينما كانت الجيوش تخرج منها للغزو والفتح، كان الفقهاء يخرجون منها لينتشروا بين البلاد يعلِّمون العربية وينشرون الإسلام.فهي بذلك تحمل في كلّ شبر من أرضها عطر مجد شامخ وإرثا عريقا يؤكده تاريخها الزّاهر ومعالمها الباقية التي تمثل مراحل هامة من التاريخ العربي الإسلامي.لقد بقيت القيروان حوالي أربعة قرون عاصمة الإسلام الأولى لإفريقية والأندلس ومركزا حربيّا للجيوش الإسلامية ونقطة ارتكاز رئيسية لإشاعة اللغة العربية . وعندما تذكر القيروان يذكر القائد العربي الكبير عقبة بن نافع وقولته المشهورة عندما بلغ في فتوحاته المحيط الاطلسي وهو يرفع يده الى السماء ويصرخ بأعلى صوته : "اللهم اشهد أني بلّغت المجهود ولولا هذا البحر لمضيت في البلاد أقاتل من كفر بك حتى لا يعبد أحد من دونك".تقع القيروان في تونس على بُعد 156 كم من العاصمة تونس. وكلمة القيروان كلمة فارسية دخلت إلى العربية، وتعني مكان السلاح ومحط الجيش أو استراحة القافلة وموضع اجتماع الناس في الحرب. .**اختيار موقع القيروان***يعود تاريخ القيروان إلى عام 50هـ / 670 م، عندما قام بإنشائها عقبة بن نافع. وكان هدفه من هذا البناء أن يستقر بها المسلمون، إذ كان يخشى إن رجع المسلمون عن أهل إفريقية أن يعودوا إلى دينهم. وقد جمع عقبة بن نافع بعد وانتهائه من بناء مدينة القيروان وجوه أصحابه وأهل العسكر فدار بهم حول مدينة القيروان، وأقبل يدعو لها ويقول في دعائه: اللهم املأها علما وفقها ، وأعمرها بالمطيعين والعابدين، واجعلها عزا لدينك وذلا لمن كفر بك، وأعز بها الإسلام. فلما أرسى عقبة بن نافع قواعد مدينته الجديدة، لم يكن يدري وهو يدعو ربّه ليمنعها من جبابرة الأرض ويملأها فقهاً وعلماً ويجعلها عزّاً للإسلام أيّ مصير تخبِّئه لها الأيام، إلا أنه استراتيجياً كان موفَّقاً في اختياره، فالقيروان توجد على مسيرة يوم من البحر الذي كان البيزنطيون يسيطرون على عبابه، وهي تبعد بمثل ذلك عن الجبال، حيث كانت آنذاك تعتصم القبائل البربرية المناوئة للإسلام، وتمثل القاعدة المحدثة رأس الحربة وسط خط المواجهة المتخذ بين المسلمين والبيزنطيين، بعد انهزام ملكهم جرجير في سبيطلة أمام جيوش معاوية بن حديج سنة 45هـ ، 665م وتراجع سلطانهم وانحصاره في شمال البلاد.بجانب ذلك فالقيروان في منبسط من الأرض مديد يسمح باستنفار الفرسان في غير صعوبة ، وقد كانت الخيل قوام جيش المسلمين في جُلّ معاركهم وحروبهم المصيرية ، وقد راعى عقبة في اختياره لموقع مدينته الجديدة تقريبها من السبخة حتى يوفّر ما تحتاجه الإبل من المراعي، وتسمية القيروان تستجيب للغرض الأصلي من تأسيسها فهي كلمة معرَّبة عن اللغة الفارسية وتعني المعسكر أو القافلة أو محط أثقال الجيش.ولا ريب أن مختلف الحملات والغزوات التي سبقت بناء القيروان كانت تمر بالموقع، وتتّفق المصادر على أن معاوية بن حديج قد عسكر خلال إحدى حملاته الثلاث على إفريقيّة بالموضع المعروف بالقرن على بعد عشرة كيلومترات شمال غربي القيروان، كما تذكر كتب الطبقات أن الصحابي أبا زمعة البلوي قد استشهد خلال غزوة معاوية بن حديج الأولى العام 34هـ ، 654م وهو محاصر لجلولة، فأُخذ ودُفن بموضع القيروان**المكانة العلمية للقيروان ***كانت القيروان أولى المر اكز العلمية في المغرب يليها قرطبة في الأندلس ثم فاس في المغرب الأقصى ولقد قصدها أبناء المغرب وغيرها من البلاد المجاورة. وكان مسجد عقبة الجامع ومعه بقية مساجد القيروان تعقد فيه حلقات للتدريس وأنشئت مدارس جامعة أطلقوا عليها (دور الحكمة). واستقدم لها العلماء والفقهاء ورجال الدعوة من الشرق فكانت هذه المدارس وما اقترن به إنشاؤها من انصراف القائمين عليها للدرس والبحث عاملا في رفع شأن لغة القرآن الكريم لغة العرب وثقافتهم. ولقد كان للقيروان دور كبير في نشر وتعليم الدين وعلومه بحكم ما علق على هذه المدينة من آمال في هداية الناس وجلبهم إلى إفريقية وهي نقطة هامة لاحظها الفاتحون منذ أن استقر رأيهم على إنشاء مدينة القيروان، فعندما عزم عقبة بن نافع ومن معه على وضع محراب المسجد الجامع فكروا كثيرا في متجه القبلة، وراقبوا طلوع الشمس وغروبها عدة أيام. وقال له أصحابه: إن أهل المغرب يضعون قبلتهم على قبلة هذا المسجد فأجهد نفسك في تقويمه. واجتهد عقبة بن نافع. وكان موفقا في اجتهاده. وأصبح محراب القيروان أسوة وقدوة لبقية مساجد المغرب الإسلامي بمعناه الواسع حتى إن محمد بن حارث الخشني بعد أن قدم من القيروان إلى سبتة وشاهد انحراف مسجدها عن قبلة الصلاة عدله وصوبه. وفي عهد الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز (99-101هـ / 717 -720م) أراد تثقيف أهل المغرب وتعليمهم أمر دينهم فجعل من مدينة القيروان مركزا للبعثة العلمية المكونة من عشرة أشخاص من التابعين فأرسلهم إلى إفريقية حيث انقطعوا إلى تعليم السكان أمور الدين، ومات غالب أفراد البعثة في مدينة القيروان نفسها. وهكذا أصبحت مدينة القيروان مركزا للعلم في المغرب الإسلامي حتى كانت مفخرة المغرب. ومنها خرجت علوم المذهب المالكي، وإلى أئمتها كل عالم ينتسب وكان قاضي القيروان يمثل أعلى منصب ديني في عموم البلاد المغربية، وإليه المرجع في تسمية قضاة مختلف الجهات. و أسهمت القيروان في عهد الأغالبة في نشر المذهب المالكي في أرجاء الدولة الأغلبية، ومنها انتشر في صقلية والأندلس. وقد تم ذلك على يد الإمام سحنون (160-240هـ / 777 -855م)، وأقرانه وتلاميذه. فهؤلاء كانوا يلتزمون المذهب المالكي، إذ أنهم كانوا يذهبون لأداء فريضة الحج، ثم يلزمون الإمام مالك بن أنس في المدينة المنورة، فتأثروا بفقهه. وقد ولي سحنون قضاء القيروان (234-240هـ / 848 -854 م)، فكان صاحب النفوذ الأكبر لا في شئون القضاء فحسب، بل في جميع شئون الدولة. ولما عاد سحنون من المدينة المنورة كان قد وضع أسس الكتاب الذي دونه ويسمى المدونة التي أصبحت قاعدة التدريس في المغرب الأدنى، ومن هناك انتقلت إلى الأندلس. وكانت الكتب الفقهية التي ألفها علماء القيروان ابتداء من كتاب المدونة لصاحبه الفقيه الكبير سحنون والذي أصبح مرجعا دينيا لرجال القيروان، إلى رسالة ابن أبي زيد ونوادره وزياداته إلى تهذيب أبي سعيد البراذعي، كانت هذه الكتب وأمثالها عمدة الدارسين والشراح والمعلقين لا يعرفون غيرها إلى المائة السابعة من التاريخ الهجري عندما ابتدأت كتب المشارقة تأتي إلى المغرب مثل مختصر ابن الحاجب ومختصر خليل فيما بعد. **بيت الحكمة***أنشئت في القيروان المكتبات العامة والمكتبات الملحقة بالجوامع والمدارس والزوايا وكانت مفتوحة للدارسين وتضم نفائس أمهات الكتب. ومن أشهر مكتبات القيروان بيت الحكمة الذي أنشأه الأمير إبراهيم الثاني الأغلبي 261-289هـ / 875 -902م. في رقادة بالقيروان محاكاة لبيت الحكمة التي أسسها هارون الرشيد في بغداد حيث كانت هذه البيت نواة لمدرسة الطب القيروانية التي أثرت في الحركة العلمية في المغرب لزمن طويل. وقد استقدم الأمير إبراهيم بن أحمد الأغلبي أعدادا كبيرة من علماء الفلك والطب والنبات والهندسة والرياضيات من المشرق والمغرب وزوده بالآلات الفلكية. وكان الأمير إبراهيم بن أحمد يبعث كل عام (وأحيانا كل ستة أشهر) بعثة إلى بغداد هدفها تجديد ولائه للخلافة العباسية واقتناء نفائس الكتب المشرقية في الحكمة والفلك مما لا نظير له في المغرب واستقدام مشاهير العلماء في العراق ومصر. وعلى هذا النحو أمكنه في أمد قصير أن يقيم في رقادة نموذجا مصغرا من بيت الحكمة في بغداد، ولم يلبث هذا البيت أن وقع في أيدي العبيديين -الفاطميين- بعد سنوات معدودة من وفاته. ولقد كان بيت الحكمة معهدا علميا للدرس والبحث العلمي والترجمة من اللاتينية، ومركزا لنسخ المصنفات، وكان يتولى الإشراف عليه حفظة مهمتهم السهر على حراسة ما يحتويه من كتب، وتزويد الباحثين والمترددين عليه من طلاب العلم بما يلزمهم من هذه الكتب حسب تخصصاتهم، ويرأس هؤلاء الحفظة ناظر كان يعرف بصاحب بيت الحكمة. وأول من تولى هذا المنصب عالم الرياضيات أبو اليسر إبراهيم بن محمد الشيباني الكاتب المعروف بأبي اليسر الرياضي، وهو بغدادي النشأة، حيث أتيح له أن يلتقي بالعديد من المحدثين والفقهاء والأدباء واللغويين. وكان قد تنقل في أقطار المشرق قبل انتقاله إلى الأندلس وأخيرا استقر بالقيروان. وكان الأمير إبراهيم بن أحمد يعقد المجالس العلمية للمناظرة في بيت الحكمة، وكان يحضر هذه المجالس العلماء البارزون من فقهاء المالكية والحنفية. **المساجد:***يعد مسجد القيروان الذي بناه عقبة بن نافع عند إنشاء المدنية من أهم معالمها عبر التاريخ. ولقد بدأ المسجد صغير المساحة، بسيط البناء، ولكن لم يمض على بنائه عشرون عاما حتى هدمه حسان بن نعمان الغساني وأقام مكانه مسجدا جديدا أكبر من الأول. وفي عهد الخليفة هشام بن عبد الملك أمر بزيادة مساحته، وأضاف إليه حديقة كبيرة في شماله، وجعل له صهريجا للمياه، وشيد مآذنه. وفي عام 155هـ / 724 م أعيد بناؤه على يد يزيد بن حاتم، وظل على حاله هذه إلى أن تولى زيادة الله بن إبراهيم بن الأغلب إمارة إفريقية عام 201هـ / 817 م فزاد فيه. ولقد سارت التوسعات في العصور المختلفة حتى أصبح يشغل اليوم مساحة مستطيلة تتراوح أضلاعها ما بين (70و122) مترا. ويعتبر جامع القيروان من أقدم مساجد المغرب الإسلامي والمصدر الأول الذي اقتبست منه العمارة المغربية والأندلسية عناصرها الزخرفية والمعمارية. كما كان هذا المسجد ميدانا للحلقات الدينية والعلمية واللغوية التي ضمت نخبة من أكبر علماء ذلك العصر.**من أعلام القيروان:***لقد تميّز كل عصر من عصور القيروان بعدد وافر من الاسماء والاعلام في شتى ضروب العلم والمعرفة لمّْا كانت عاصمة المغرب العربي وأعظم مدن القارة الإفريقية ومنارة عالية للإشعاع الفكري والديني والحضاري في عصور الأغالبة والفاطميين والصنهاجيين. ومن هؤلاء الأعلام الإمام سحنون وابن رشيق القيرواني وابن شرف وأسد بن الفرات وابن الجزار، لكن المهتمين بالتاريخ يذكرون خصوصا اسم المعزّ بن باديس الصنهاجي كأكبر رمز لما بلغته القيروان من حضارة في عهد الصنهاجيين وعبد الله بن الأغلب الذي جعل من القيروان اسما ملأ الدنيا ، أما عقبة بن نافع فإنه يظل الفاتح والمؤسس .كان من أوائل من قام بالتعليم في مدينة القيروان أولئك العشرة من التابعين الذين أرسلهم عمر بن عبد العزيز ليعلموا الناس وكان من أشهر أولئك العشرة إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر الذي كان -بالإضافة إلى أنه عامل للخليفة- من أكثر أفراد تلك البعثة اندفاعا في نشر الدين وإدخال البربر إلى الإسلام. وكان منهم عبد الله بن يزيد الحبلي الذي شهد فتح الأندلس مع موسى بن نصير، ثم عاد إلى القيروان ومات فيها ، ومنهم أيضا إسماعيل بن عبيد المشهور بلقب "تاجر الله" وهو الذي بنى المسجد المعروف باسم مسجد الزيتونة، كما بنى سوقا للتجارة عرفت باسم سوق إسماعيل. وقد استشهد غريقا في إحدى الغزوات البحرية لصقلية سنة 107هـ / 726 م، ومنهم عبد الرحمن بن رافع التنوخي أول من تولى القضاء بمدينة القيروان. وأما رواد الفقه في القيروان فهم كثير منهم الإمام سحنون بن سعيد الفقيه صاحب أبي القاسم - تلميذ الإمام مالك - ومؤلف كتاب المدونة والذي كان له دور كبير في تدوين المذهب المالكي، وقد حضر دروس هذا الفقيه العديد من طلاب الأندلس الذين قاموا بنشر مذهبه فيما بعد، وقد عرفت من رجال الفقه كذلك أسد بن الفرات قاضي إفريقية في عهد الأغالبة وقائد الحملة إلى صقلية وفاتح الجزيرة ومحمد ابن الإمام سحنون بن سعيد وابن أبي زيد القيرواني. كما اشتهر فيها من الشعراء: أبو عبد الله القزاز القيرواني، والحسين بن رشيق القيرواني، وابن هانئ الأندلسي ، وكان من بين علمائها عبد الكريم النهشلي عالم اللغة وكان من أهل الأدب أبو إسحاق (الحصري) القيرواني صاحب زهر الآداب. أما عن مدرسة الطب فقد اشتهرت منها أسرة ابن الجزار التي توارثت الطب أبا عن جد.

mercredi 10 octobre 2007

المسرح الجامعي


سندريلا في الجامعة


دعاني الصديق بدر الدين بن سعيد المدير الجهوي للخدمات الجامعية بالقيروان والمهووس بالفعل الثقافي إلى حفل اختتام المهرجان الثقافي لديوان الخدمات الجامعية بالوسط معبرا لي عن جمالية العرض وطرافته وأنه من إنتاج طلبة المنستير ومركزها الثقافي الجامعي. تحفزت حقيقة للذهاب لسببين هامّين:
أولهما حضوري عرضا من إنتاج المركز الثقافي الجامعي برقادة في أفريل الماضي بعنوان "أنا من قلبي حبّيتك" خيّب انتظاراتي للهنات الفنية والسينوغرافية الفاضحة فيه فلم أتمكّن من إتمامه رغم صبري الكبير عند حضوري العروض الرديئة ولكن عندما نصل إلى مرحلة الأخطاء في الأمور الأساسية والارتباك فالخروج أسلم. فلما وصلتني الدعوة قلت لعلّ هذا العرض يشفيني من ذاك العضّ.
ثانيهما ما أعرفه عن ريادة المركز الثقافي الجامعي بالمنستير في المجال المسرحي وانفتاحه على المختصين والمحترفين الذين يساهمون معه في دوام ربيع المسرح الجامعي والذي يتوج كل سنتين بمهرجان عالمي للمسرح الطلابي يدوم أسبوعا كاملا.
والحقيقة أنّ العرض أشبع انتظاراتي وحلّق بي بعيدا في عالم السحر والجمال وأرجع لي ثقتي بالمسرح الجامعي ودوره الفعلي في إرساء ثقافة مسرحية ذات أبعاد فنية حقيقية دون تهويم في التجريد أو سقوط في فخ السهولة.
سندريلا مسرحية غنائية لا تجد مثلها في المسرح المحترف لم ينقطع فيها الغناء والتعبير الجسماني لحظة واحدة طيلة ساعة وربع... سندريلا تلك الفتاة الفقيرة فائقة الجمال التي تسومها زوجة أبيها وأختاها سوء العذاب حتّى تلتقي ذات حفل بفارس أحلامها فيتوجها ملكة على قلبه وعمره.
لم يتناول العرض هذه الحكاية بهذه الرواية بل نكتشف في سينوغرافية رائعة وعملية أعدّها الأستاذ عبد السلام شعبان سندريلا- التي جسدتها الطالبة المتألقة مليكة زرقة والتي جمعت بين طلاوة الصوت وحسن الأداء- العاملة في محطة البنزين التي تملكها امرأة متسلطة تتحكم فيها هي وابنتاها فتقضي كامل يومها وليلها في توزيع الوقود ومسح بلور السيارات وتتحمّل بلادة السكارى الذين يتسكعون آخر الليل، وذات يوم تلتقي بفارس أحلامها عندما أتى طالبا وقودا لسيارته فأشعلت له قلبه حبّا وهياما برح به عذابا لعدم قبول عائلته الارتباط بها ولكن في النهاية لا بد أن ينتصر الحب لتنتهي المسرحية بلوحة جميلة جدّا زادها الغناء الجماعي والأضواء بعدا فرجويا ساحرا.
حقيقة أبهرني العرض الذي مثّل فيه طلبة من كليات المنستير المختلفة بإشراف المركز الثقافي الجامعي وإخراج الأستاذ خالد شنان وتأليف الطالبتين فاطمة النابلي وأمينة عجرود وألحان الأستاذ توفيق هوّاري.عرض لم أحس فيه بالملل لتوالي اللوحات في نسق تصاعدي وإيقاع متسلق، هذا العرض يستحق فعلا أن يبرمج في مهرجاناتنا الصيفية التي تحتاج فعلا إلى هذا النوع من الفرجة الرائقة ولنشجع هؤلاء الطلبة على مزيد الإبداع ولم لا تكون جائزة العرض افتتاح مهرجان المنستير الدولي مثلا فتنفتح الجامعة فعلا على محيطها ولا يقبر عرض بهذه القيمة الفنية في طي النسيان.

مسرحية خمسون في مهرجان المسرح الحديث

خمسون... والمركّب الثقافي بالقيروان

كنت شديد التلهّف لمشاهدة مسرحيّة "خمسون" للفاضل الجعايبي وجليلة بكّار... لم أسع لمشاهدتها في المسرح البلدي وبقيت أنتظر مرورها بالقيروان لأنّي أعلم نوع العلاقة بين جمهور المسرح هنا والمسرح الجديد التي تحتفل بأصحابه دائما، وبالفعل برمج ربيع الفنون في دورته الحاليّة عرضا لهذه المسرحيّة الحدث وجازف ببرمجتها في القاعة الكبرى للمركّب الثقافي أسد بن الفرات... نعم جازف لتآكل هذه القاعة وغياب الصيانة عنها فهي غير مجهزة بمحامل وظيفيّة للأضواء فوقيّة أو أماميّة أو حتّى جانبية كاملة مع ضعف الطاقة فيها ممّا يجبر الفرق التي تحترم عملها إلى جلب كامل معدّاتها معها قبل أيّام من العرض، فالفريق التقني لمسرحيّة خمسون أمضى أيّاما قبل العرض وهو يركّب محامل فولاذية جديدة للأضواء مع كاشفات ضوئية خاصّة جلبها معه حتّى يتمكن من تنفيذ العرض في ظروف تقنية مقبولة، كذلك أضطر سليم الصنهاجي إلى التخلي عن سينوغرافيته في عرضه أيام مهرجان المسرح الحديث المنعقد في شهر مارس لأنه لم يجد كيف يحرك أجزاء ديكورها لغياب المحامل الضرورية لذلك و الأتعس من هذا كله انقطاع الكهرباء مرتين خلال عرض مسرحية" خمسون" وانقطاعه نصف ساعة كاملة في عرض ساعة ونصف بعدي أنا لنضال قيقة في مهرجان المسرح الحديث.
نعم انقطع التيار الكهربائي عن القاعة مرتين ليصيح الجعايبي متعجبا: آه يا قيروان ... فالرجل ظن نفسه يعرض في مقديشو أو طمبكتو لأنه يعرف تاريخ هذه المدينة العريق في المسرح.. أتساءل:لماذا هدا التراخي في صيانة هذه القاعة وهي الوحيدة في هذه المدينة بعد بيع الكازينو البلدي وهدمه وتركه أرضا بيضاء تهرّج فيها الفئران والأفاعي...ماذا ينتظر المسؤولون عن الثقافة في القيروان للاهتمام بها وتهيئته ركحها كهربائيا وميكانيكيا؟ متى يغيرون كراسيها المزعجة وغير المريحة؟متى يغلقون بابها عند بداية كل عرض ولا يتركونه مفتوحا حتى تصيح حليمة داود في مهرجان المسرح الحديث من فوق الركح مطالبة الجمهور الكف عن الدخول والخروج وتركها تركز في عملها؟ والسؤال الأهم متى يرى مركز الفنون الدرامية النور وهو الذي وعد به سيادة رئيس الجمهورية ولاية القيروان منذ سنوات ونفّذ وعده بأن خصص 500ألف دينار للبناء وذلك منذ سنتين أو أكثر ولكن لم ينفذ هذا المشروع إلى الآن بدعوى عدم العثور على أرض ولكن القيروان أضحت طوكيو أو باريس...
المركّب الثقافي يلزمه تأهيل شامل بشريا وماديا أفيعقل أن يبقى مركب ضخم مثل هذا دون تقنيين مختصين ومنشطين متخرجين من المدارس العليا للتنشيط الثقافي و الشبابي؟؟
أعود الآن إلى مسرحية "خمسون" التي واكبها جمهور محترم أجهد نفسه على البقاء صامتا رغم تشويش الكراسي وتشبث بالعرض رغم انقطاعات الكهرباء..
أول ملاحظة يمكن سوقها هي طغيان النص وتواصل وجود الراوي، فإن كان الراوي في مسرحية جنون هي الطبيبة النفسية التي تقرأ مذكراتها الطبية بخصوص حالة مريضها نون فإن الراوي في "خمسون" غير مرئي وإن كان مسموعا فهو يتلو الأحداث ويصف الأمكنة والأزمنة ويتقدم بأحداث المسرحية, وإن كانت قراءة الطبيبة لحالة مريضها في جنون موظفة دراميا باعتبار أن ذلك يدخل في صلب عمل الطبيب النفسي الذي يدون ملاحظاته لمتابعة المريض وبالتالي لم تكن عائقا فنيا بل شكلت إضافة فإن إعادة نفس الحكاية في "خمسون" تترك العمل خاليا من روح خلاقة ومن تصورات درامية أخرى تلهب العمل أكثر وتقوي في نسقه الذي يسقط أحيانا كثيرة في العرض فتعويض الحوار والديكور بالقراءة حل سهل ولكن ها كان اختيارا ومنهجا من المخرج أم شيئا آخر؟؟
ابتدأ العرض بشكل رتيب،ممل، صامت، مظلم، أشباح تدور في حلبة مربعة، تجلس على كراسي، تخرج... صمت طويل أعقبه كلام كثير.
هذه البداية لم تشدني كثيرا حقيقة أما إذا كان قصد الجعايبي من وراء ذلك بث املل فقد نجح في ذلك.
لن أعرج كثيرا عمّا قيل في فك رموز هذه المسرحية التي حقيقة لا تحمل رموزا البتة فهي تحكي بشكل مباشر عن اليسار المريض واليمين المتطرف وبعض الانتهازيين لكن شدني خصوصا جمال مداني حين لعب دورا مركبا يجسّد فيه دور قدّور الشرطي المتقاعد ... جمال يبدع في هذه النوعية المعقدة من الأدوار ويضيف إليها الكثير من روحه المسرحية الكبيرة.
هذه بعض الملاحظات العابرة أردت سوقها ولكني أعترف أني بحاجة لمشاهدة هذه المسرحية مرة أخرى ولكن في المسرح البلدي هذه المرة أو حتى في اليابان لأتمكن من قراءتها قراءة فنية صحيحة دون انقطاعات كهربائية ودون ضجيج الكراسي المفككة وأبواب المسرح المفتوحة.

mardi 9 octobre 2007



تعتبر القيروان من أقدم وأهم المدن الإسلامية، بل هى المدينة الإسلامية الأولى في منطقة المغرب ويعتبر إنشاء مدينة القيروان بداية تاريخ الحضارة العربية الإسلامية في المغرب العربي، فلقد كانت مدينة القيروان تلعب دورين هامين في آن واحد، هما: الجهاد والدعوة، فبينما كانت الجيوش تخرج منها للغزو والفتح، كان الفقهاء يخرجون منها لينتشروا بين البلاد يعلِّمون العربية وينشرون الإسلام.فهي بذلك تحمل في كلّ شبر من أرضها عطر مجد شامخ وإرثا عريقا يؤكده تاريخها الزّاهر ومعالمها الباقية التي تمثل مراحل هامة من التاريخ العربي الإسلامي.لقد بقيت القيروان حوالي أربعة قرون عاصمة الإسلام الأولى لإفريقية والأندلس ومركزا حربيّا للجيوش الإسلامية ونقطة ارتكاز رئيسية لإشاعة اللغة العربية . وعندما تذكر القيروان يذكر القائد العربي الكبير عقبة بن نافع وقولته المشهورة عندما بلغ في فتوحاته المحيط الاطلسي وهو يرفع يده الى السماء ويصرخ بأعلى صوته : "اللهم اشهد أني بلّغت المجهود ولولا هذا البحر لمضيت في البلاد أقاتل من كفر بك حتى لا يعبد أحد من دونك".تقع القيروان في تونس على بُعد 156 كم من العاصمة تونس. وكلمة القيروان كلمة فارسية دخلت إلى العربية، وتعني مكان السلاح ومحط الجيش أو استراحة القافلة وموضع اجتماع الناس في الحرب. .**اختيار موقع القيروان***يعود تاريخ القيروان إلى عام 50هـ / 670 م، عندما قام بإنشائها عقبة بن نافع. وكان هدفه من هذا البناء أن يستقر بها المسلمون، إذ كان يخشى إن رجع المسلمون عن أهل إفريقية أن يعودوا إلى دينهم. وقد جمع عقبة بن نافع بعد وانتهائه من بناء مدينة القيروان وجوه أصحابه وأهل العسكر فدار بهم حول مدينة القيروان، وأقبل يدعو لها ويقول في دعائه: اللهم املأها علما وفقها ، وأعمرها بالمطيعين والعابدين، واجعلها عزا لدينك وذلا لمن كفر بك، وأعز بها الإسلام. فلما أرسى عقبة بن نافع قواعد مدينته الجديدة، لم يكن يدري وهو يدعو ربّه ليمنعها من جبابرة الأرض ويملأها فقهاً وعلماً ويجعلها عزّاً للإسلام أيّ مصير تخبِّئه لها الأيام، إلا أنه استراتيجياً كان موفَّقاً في اختياره، فالقيروان توجد على مسيرة يوم من البحر الذي كان البيزنطيون يسيطرون على عبابه، وهي تبعد بمثل ذلك عن الجبال، حيث كانت آنذاك تعتصم القبائل البربرية المناوئة للإسلام، وتمثل القاعدة المحدثة رأس الحربة وسط خط المواجهة المتخذ بين المسلمين والبيزنطيين، بعد انهزام ملكهم جرجير في سبيطلة أمام جيوش معاوية بن حديج سنة 45هـ ، 665م وتراجع سلطانهم وانحصاره في شمال البلاد.بجانب ذلك فالقيروان في منبسط من الأرض مديد يسمح باستنفار الفرسان في غير صعوبة ، وقد كانت الخيل قوام جيش المسلمين في جُلّ معاركهم وحروبهم المصيرية ، وقد راعى عقبة في اختياره لموقع مدينته الجديدة تقريبها من السبخة حتى يوفّر ما تحتاجه الإبل من المراعي، وتسمية القيروان تستجيب للغرض الأصلي من تأسيسها فهي كلمة معرَّبة عن اللغة الفارسية وتعني المعسكر أو القافلة أو محط أثقال الجيش.ولا ريب أن مختلف الحملات والغزوات التي سبقت بناء القيروان كانت تمر بالموقع، وتتّفق المصادر على أن معاوية بن حديج قد عسكر خلال إحدى حملاته الثلاث على إفريقيّة بالموضع المعروف بالقرن على بعد عشرة كيلومترات شمال غربي القيروان، كما تذكر كتب الطبقات أن الصحابي أبا زمعة البلوي قد استشهد خلال غزوة معاوية بن حديج الأولى العام 34هـ ، 654م وهو محاصر لجلولة، فأُخذ ودُفن بموضع القيروان**المكانة العلمية للقيروان ***كانت القيروان أولى المر اكز العلمية في المغرب يليها قرطبة في الأندلس ثم فاس في المغرب الأقصى ولقد قصدها أبناء المغرب وغيرها من البلاد المجاورة. وكان مسجد عقبة الجامع ومعه بقية مساجد القيروان تعقد فيه حلقات للتدريس وأنشئت مدارس جامعة أطلقوا عليها (دور الحكمة). واستقدم لها العلماء والفقهاء ورجال الدعوة من الشرق فكانت هذه المدارس وما اقترن به إنشاؤها من انصراف القائمين عليها للدرس والبحث عاملا في رفع شأن لغة القرآن الكريم لغة العرب وثقافتهم. ولقد كان للقيروان دور كبير في نشر وتعليم الدين وعلومه بحكم ما علق على هذه المدينة من آمال في هداية الناس وجلبهم إلى إفريقية وهي نقطة هامة لاحظها الفاتحون منذ أن استقر رأيهم على إنشاء مدينة القيروان، فعندما عزم عقبة بن نافع ومن معه على وضع محراب المسجد الجامع فكروا كثيرا في متجه القبلة، وراقبوا طلوع الشمس وغروبها عدة أيام. وقال له أصحابه: إن أهل المغرب يضعون قبلتهم على قبلة هذا المسجد فأجهد نفسك في تقويمه. واجتهد عقبة بن نافع. وكان موفقا في اجتهاده. وأصبح محراب القيروان أسوة وقدوة لبقية مساجد المغرب الإسلامي بمعناه الواسع حتى إن محمد بن حارث الخشني بعد أن قدم من القيروان إلى سبتة وشاهد انحراف مسجدها عن قبلة الصلاة عدله وصوبه. وفي عهد الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز (99-101هـ / 717 -720م) أراد تثقيف أهل المغرب وتعليمهم أمر دينهم فجعل من مدينة القيروان مركزا للبعثة العلمية المكونة من عشرة أشخاص من التابعين فأرسلهم إلى إفريقية حيث انقطعوا إلى تعليم السكان أمور الدين، ومات غالب أفراد البعثة في مدينة القيروان نفسها. وهكذا أصبحت مدينة القيروان مركزا للعلم في المغرب الإسلامي حتى كانت مفخرة المغرب. ومنها خرجت علوم المذهب المالكي، وإلى أئمتها كل عالم ينتسب وكان قاضي القيروان يمثل أعلى منصب ديني في عموم البلاد المغربية، وإليه المرجع في تسمية قضاة مختلف الجهات. و أسهمت القيروان في عهد الأغالبة في نشر المذهب المالكي في أرجاء الدولة الأغلبية، ومنها انتشر في صقلية والأندلس. وقد تم ذلك على يد الإمام سحنون (160-240هـ / 777 -855م)، وأقرانه وتلاميذه. فهؤلاء كانوا يلتزمون المذهب المالكي، إذ أنهم كانوا يذهبون لأداء فريضة الحج، ثم يلزمون الإمام مالك بن أنس في المدينة المنورة، فتأثروا بفقهه. وقد ولي سحنون قضاء القيروان (234-240هـ / 848 -854 م)، فكان صاحب النفوذ الأكبر لا في شئون القضاء فحسب، بل في جميع شئون الدولة. ولما عاد سحنون من المدينة المنورة كان قد وضع أسس الكتاب الذي دونه ويسمى المدونة التي أصبحت قاعدة التدريس في المغرب الأدنى، ومن هناك انتقلت إلى الأندلس. وكانت الكتب الفقهية التي ألفها علماء القيروان ابتداء من كتاب المدونة لصاحبه الفقيه الكبير سحنون والذي أصبح مرجعا دينيا لرجال القيروان، إلى رسالة ابن أبي زيد ونوادره وزياداته إلى تهذيب أبي سعيد البراذعي، كانت هذه الكتب وأمثالها عمدة الدارسين والشراح والمعلقين لا يعرفون غيرها إلى المائة السابعة من التاريخ الهجري عندما ابتدأت كتب المشارقة تأتي إلى المغرب مثل مختصر ابن الحاجب ومختصر خليل فيما بعد. **بيت الحكمة***أنشئت في القيروان المكتبات العامة والمكتبات الملحقة بالجوامع والمدارس والزوايا وكانت مفتوحة للدارسين وتضم نفائس أمهات الكتب. ومن أشهر مكتبات القيروان بيت الحكمة الذي أنشأه الأمير إبراهيم الثاني الأغلبي 261-289هـ / 875 -902م. في رقادة بالقيروان محاكاة لبيت الحكمة التي أسسها هارون الرشيد في بغداد حيث كانت هذه البيت نواة لمدرسة الطب القيروانية التي أثرت في الحركة العلمية في المغرب لزمن طويل. وقد استقدم الأمير إبراهيم بن أحمد الأغلبي أعدادا كبيرة من علماء الفلك والطب والنبات والهندسة والرياضيات من المشرق والمغرب وزوده بالآلات الفلكية. وكان الأمير إبراهيم بن أحمد يبعث كل عام (وأحيانا كل ستة أشهر) بعثة إلى بغداد هدفها تجديد ولائه للخلافة العباسية واقتناء نفائس الكتب المشرقية في الحكمة والفلك مما لا نظير له في المغرب واستقدام مشاهير العلماء في العراق ومصر. وعلى هذا النحو أمكنه في أمد قصير أن يقيم في رقادة نموذجا مصغرا من بيت الحكمة في بغداد، ولم يلبث هذا البيت أن وقع في أيدي العبيديين -الفاطميين- بعد سنوات معدودة من وفاته. ولقد كان بيت الحكمة معهدا علميا للدرس والبحث العلمي والترجمة من اللاتينية، ومركزا لنسخ المصنفات، وكان يتولى الإشراف عليه حفظة مهمتهم السهر على حراسة ما يحتويه من كتب، وتزويد الباحثين والمترددين عليه من طلاب العلم بما يلزمهم من هذه الكتب حسب تخصصاتهم، ويرأس هؤلاء الحفظة ناظر كان يعرف بصاحب بيت الحكمة. وأول من تولى هذا المنصب عالم الرياضيات أبو اليسر إبراهيم بن محمد الشيباني الكاتب المعروف بأبي اليسر الرياضي، وهو بغدادي النشأة، حيث أتيح له أن يلتقي بالعديد من المحدثين والفقهاء والأدباء واللغويين. وكان قد تنقل في أقطار المشرق قبل انتقاله إلى الأندلس وأخيرا استقر بالقيروان. وكان الأمير إبراهيم بن أحمد يعقد المجالس العلمية للمناظرة في بيت الحكمة، وكان يحضر هذه المجالس العلماء البارزون من فقهاء المالكية والحنفية. **المساجد:***يعد مسجد القيروان الذي بناه عقبة بن نافع عند إنشاء المدنية من أهم معالمها عبر التاريخ. ولقد بدأ المسجد صغير المساحة، بسيط البناء، ولكن لم يمض على بنائه عشرون عاما حتى هدمه حسان بن نعمان الغساني وأقام مكانه مسجدا جديدا أكبر من الأول. وفي عهد الخليفة هشام بن عبد الملك أمر بزيادة مساحته، وأضاف إليه حديقة كبيرة في شماله، وجعل له صهريجا للمياه، وشيد مآذنه. وفي عام 155هـ / 724 م أعيد بناؤه على يد يزيد بن حاتم، وظل على حاله هذه إلى أن تولى زيادة الله بن إبراهيم بن الأغلب إمارة إفريقية عام 201هـ / 817 م فزاد فيه. ولقد سارت التوسعات في العصور المختلفة حتى أصبح يشغل اليوم مساحة مستطيلة تتراوح أضلاعها ما بين (70و122) مترا. ويعتبر جامع القيروان من أقدم مساجد المغرب الإسلامي والمصدر الأول الذي اقتبست منه العمارة المغربية والأندلسية عناصرها الزخرفية والمعمارية. كما كان هذا المسجد ميدانا للحلقات الدينية والعلمية واللغوية التي ضمت نخبة من أكبر علماء ذلك العصر.**من أعلام القيروان:***لقد تميّز كل عصر من عصور القيروان بعدد وافر من الاسماء والاعلام في شتى ضروب العلم والمعرفة لمّْا كانت عاصمة المغرب العربي وأعظم مدن القارة الإفريقية ومنارة عالية للإشعاع الفكري والديني والحضاري في عصور الأغالبة والفاطميين والصنهاجيين. ومن هؤلاء الأعلام الإمام سحنون وابن رشيق القيرواني وابن شرف وأسد بن الفرات وابن الجزار، لكن المهتمين بالتاريخ يذكرون خصوصا اسم المعزّ بن باديس الصنهاجي كأكبر رمز لما بلغته القيروان من حضارة في عهد الصنهاجيين وعبد الله بن الأغلب الذي جعل من القيروان اسما ملأ الدنيا ، أما عقبة بن نافع فإنه يظل الفاتح والمؤسس .كان من أوائل من قام بالتعليم في مدينة القيروان أولئك العشرة من التابعين الذين أرسلهم عمر بن عبد العزيز ليعلموا الناس وكان من أشهر أولئك العشرة إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر الذي كان -بالإضافة إلى أنه عامل للخليفة- من أكثر أفراد تلك البعثة اندفاعا في نشر الدين وإدخال البربر إلى الإسلام. وكان منهم عبد الله بن يزيد الحبلي الذي شهد فتح الأندلس مع موسى بن نصير، ثم عاد إلى القيروان ومات فيها ، ومنهم أيضا إسماعيل بن عبيد المشهور بلقب "تاجر الله" وهو الذي بنى المسجد المعروف باسم مسجد الزيتونة، كما بنى سوقا للتجارة عرفت باسم سوق إسماعيل. وقد استشهد غريقا في إحدى الغزوات البحرية لصقلية سنة 107هـ / 726 م، ومنهم عبد الرحمن بن رافع التنوخي أول من تولى القضاء بمدينة القيروان. وأما رواد الفقه في القيروان فهم كثير منهم الإمام سحنون بن سعيد الفقيه صاحب أبي القاسم - تلميذ الإمام مالك - ومؤلف كتاب المدونة والذي كان له دور كبير في تدوين المذهب المالكي، وقد حضر دروس هذا الفقيه العديد من طلاب الأندلس الذين قاموا بنشر مذهبه فيما بعد، وقد عرفت من رجال الفقه كذلك أسد بن الفرات قاضي إفريقية في عهد الأغالبة وقائد الحملة إلى صقلية وفاتح الجزيرة ومحمد ابن الإمام سحنون بن سعيد وابن أبي زيد القيرواني. كما اشتهر فيها من الشعراء: أبو عبد الله القزاز القيرواني، والحسين بن رشيق القيرواني، وابن هانئ الأندلسي ، وكان من بين علمائها عبد الكريم النهشلي عالم اللغة وكان من أهل الأدب أبو إسحاق (الحصري) القيرواني صاحب زهر الآداب. أما عن مدرسة الطب فقد اشتهرت منها أسرة ابن الجزار التي توارثت الطب أبا عن جد.

القيروان عاصمة ثقافية 2009


القيروان 2009: الاستعدادات والبوادر



تم منذ السنة الماضية الإعلان عن القيروان عاصمة ثقافية لسنة 2009 من قبل منظمة المؤتمر الإسلامي وذلك لثراء المخزون الثقافي لعاصمة الأغالبة وتنوعه من آداب وعمران وعلوم دينية وعلمية وللصيت العالمي الذي تحمله ورسالة التسامح والاعتدال التي نشرتها عبر التاريخ. هذه المدينة التي أبكت بفراقها الحصري وأذهلت بألوانها بول كلي فقال: في هذه المدينة يختلف اللون عن معناه ويكتسب إسما آخر. القيروان التي رأت قمم الحضارات المتعاقبة من أغلبية وفاطمية وتناثرت من حولها المدن دررا كالعباسية ورقادة وصبرة وأنجبت نساء ورجالا تخلدوا في التاريخ بفكرهم وأعمالهم.
إعلان القيروان عاصمة ثقافية فرصة للوقوف على هذا المخزون الحضاري ومحاولة الكشف عنه وإظهاره للعالم فهذه المدينة مازالت تحمل في رحم أرضها آثارا أخرى معلومة المكان ولكن باهظة تكاليف الاستخراج كالفسقية المربعة نادرة المثال في العالم والقابعة تحت السوق الوقتي في نهج النحاسين للخضر والغلال وكدار الإمارة القابعة قبالة محراب الجامع الأعظم والتي أصبحت مأوى للسيارات دون أن ننسى فسقيات وقصور رقادة وآثار الفاطميين بصبرة...
هي فرصة للعناية بالمخطوطات بتعقبها وتحقيقها وطباعتها, فرصة للقيام بندوات متخصصة لدراسات حضارية وأنتروبولوجية وتاريخية وأدبية, فرصة لمزيد التعرف على منابع المذهب المالكي المتسامح ورواده كأسد بن الفرات وسحنون...
ولكن بماذا سنحقق كل هذا والقوم نيام فلا لجان ولا برامج ولا تخطيط ولا اجتماعات تمهيدية ولا حتى نشاط ثقافي متميز فلا حديث في مجالس المثقفين من شعراء ومسرحيين وكتاب إلا عن هذا الخواء الثقافي في هذه السنة الثقافية فمركز الفنون الدرامية حلم المسرحيين أضحى بعيد المنال رغم المنحة التكميلية التي حصل عليها وبرنامج ليالي القيروان بعيد كل البعد عن الطموحات ناهيك بالإلغاءات المتعاقبة للعروض المتميزة لغياب المتابعة والتنسيق كذلك تخبط بعض جمعيات المهرجانات في ديونها بعد قطع المنح المتعودة عليها من مندوبية الثقافة كمهرجان ربيع الفنون الدولي وانكماش اللجان الثقافية عن القيام بدورها لتخفيض ميزانياتها
على المسؤولين إذا ضبط الأسباب والتنبه لهذا الفراغ الثقافي الخطير وجمع شمل المثقفين والحوار معهم والإطلاع على أفكارهم وتشريكهم في البرمجة والتفكير والتنفيذ.
كذلك تجدر الإشارة إلى ضرورة الإسراع بإصلاح قاعة العروض الكبرى اليتيمة وتجهيزها بمتطلبات العرض الفني مع ضرورة المبادرة بإنجاز قاعة أخرى تخفف الضغط عنها .
إذا لا استعدادات ولا بوادر ثقافية لاحتضان الحدث والأمل أن لا نندم على الوقت المهدور يوم الجد في النوم في العسل.